دراسة تقدمها للكاتبة سارة طالب السهيل بعنوان العنف ضد الاطفال


العنف كلمة .. كم هي بشعة حتى نغمتها غير موسيقيه على الأذن -عُ نْ فْ- وكأن قائلها عفريت أحمر بعينين مضيئتين بلون اللهب، كيف لك قلب أيها العفريت أن تقترب من أطفالنا وتفزعهم وتقلق وسادتهم الآمنة المحاطة بالملائكة؟ للأسف هذا العفريت موجود حولنا وربما يكون داخل بيوتنا أو لدى الجيران أو عند أحد ألأقارب في محيطنا بمجتمعنا في بلدنا.. إنه العنف الموجه للأطفال. العنف ضد الأطفال ظاهرة قديمة وحديثة في نفس الوقت موجودة بأنحاء العالم بأشكال مختلفة إلا أنها ليست بلا قيود وقوانين تلجمها سوى في مجتمعاتنا العربية ودول العالم الثالث، ووجودها في الدول المتقدمة استثناء نتاج أمراض عقليه أو اجتماعية، أما في الشرق العربي قاعدة يعتبره البعض جزء من التربية أو تقويم السلوك مع الأسف.

العنف الأسري: هو الموضوع الذي أردت أن ألقي الضوء عليه لخطورته؛ لأن العنف ضد الطفل يتفرع لأقسام وأنواع عديدة، عنف داخل البيت، عنف في المدرسة، عنف في الشارع وعنف بالمجتمع ككل، وعنف طارئ في حالات الحروب والاحتلال والكوارث. ومن خلال ملاحظتي الشخصية هناك عنف آخر يكون الفاعل أو الجاني غير مدرك أو لديه علم بأفعاله أنها عنف تجاه المفعول به أو المجني عليه بحيث يكون جاهلًا خطورة ما يفعله وآثاره وانعكاسه على الطفل وهو نوع منتشر بكثرة بيننا؛ ولكن النيات الحسنة لا تكفي بأي حال لتنشئة طفل سليم سوى، وهو مشروع يجب أن تتوفر به شروط النجاح وكل السبل والأساليب الراقية في التربية، ونأخذ من الحديث المفيد ومن القديم ما يصلح لهذا الزمن وما يكفل الحفاظ على القيم والثوابت الدينية والعادات والتقاليد الشرقية وموروثاتنا. وماعدا ذلك يكون مشروع فاشل غير محضر له وغير مبذول فيه جهد ؛ وبالتالي تكون عواقبه غير محمودة ولا يرجى خيرا من ورائه، وبما أن هؤلاء الأطفال فلذات الأكباد بذره نزرعها اليوم لنحصدها غدا، هم المستقبل والجيل القادم الذى سيحمل الراية ؛ هم ذخيرتنا وآخرتنا وعندما يكبرون سيصبحون المرآة التى تعكس ما اكتسبوه منا ومن المجتمع وما تأثُروا به من المؤثرات التي شاركت بتكوينهم .

والعنف الأسري نستطيع تعريفه انه العنف الذى يكون موجها للطفل من أحد أفراد الأسرة أو العائلة. قد يكون الأب أو الأم أو الأخ الأكبر أو زوج الأم أو زوجة الأب، أو العم أو الخال في حالة فقد ألوالدين أو بمعنى آخر هو العنف الذى يمارس ضد الطفل ممن له سلطة الولاية عليه من ضرب أو تعذيب أو قصاص . والعقاب في أحيان كثيرة يفوق قدرة الطفل على التحمل مما يسبب له عقد ربما تلازمه مدى الحياة أو تشوهات ناتجة عن الضرب المبرح وما يستخدم فيه من أدوات كالعصا والكرباج والأيدي والحبال و قد تصل أحيانا للسلاح الأبيض –السكين- وأحيانا الكي بالنار أو الصعق بالكهرباء أو استخدام الآلات الحادة والخطرة .

أما عنف المدرسة : فهو العنف الذي يتعرض له الطفل أثناء الدراسة وفي حيز المدرسة سواء ممن هم أكبر سنا من مدرسين وإداريين أو طلاب المراحل التعليمية الأعلى منه؛ أو ممن هم في عمره من زملائه و يكون محدد عادة بالضرب أو الإهانة النفسية أو التعرض الجسدي بما لا يتناسب مع قوته البدنية وتحمله الوجداني مما يسبب له تراجع بالمستوى الدراسي والتحصيل العلمي و يقلل من التركيز والاستيعاب ويجعل الطفل في حاله من السرحان والهزال وقلة النشاط البدني والذهني والاجتماعي؛ وأحيانا يكون انعكاسه أخطر لأن العنف يولد عنف والقوة تقابل قوة برد فعل موازي لما تلقاه.

أما عنف الشارع: فهو عنف مفتوح كما ونوعا، يأتي بالصدفة أحيانًا بصورة عارضة وغير متوقعة للطفل حين تواجه بأماكن محدده ليس فقط الشوارع تمتد للحدائق والنوادي ودور العبادة ومراكز الترفيه وأي مكان خارج البيت بشكل عام؛ وفي الأغلب تحدث من قبل أشخاص لا يعرفهم الطفل أو يشاهدهم للمرة الأولى؛ وممكن أن تحدث من قبل أشخاص يعرفهم الطفل معرفه سطحيه أو من مراقبيه الذين يترصدونه لحين إيجاد فرصه للانقضاض عليه كفريسة يلتهمونها. ويوجد عنف يحدث من قبل أشخاص لا يتعمدون الأذى بل يكون عن جهل أو يعتقدون أنهم يقومون بواجبهم لتربية الطفل وتقويمه تكون عادة من الأهل، أو المدرس، أو كبير العائلة، أو شخص له سلطه الولاية على الطفل وهو يفعل هذا بنيه طيبة؛ إلا أنه لا يدري أنه يسبب كدمات نفسيه ستلاحق هذا الطفل بكوابيس لا تنتهي مؤدية به للفشل مستقبلًا.

ومن كل ما سبق يمكن أن نعرف العنف أنه سلوك إيجابي يصدر من شخص ما قد يكون العنف لفظي أو حسي وهو تصرف عدواني يوجه لبراءة الطفل، مما يعرض الطفل من الناحية النفسية أو العقلية أو الجسمية أو الجنسية لخطر محدق وخطير حسب درجة العنف ونوعيته التى يتعرض لها من المجرم أن صح التعبير .

وبما أن العنف الأسري الأكثر انتشارا لأسباب تتعلق ببعده عن الأعين وعن تدخل الرقيب وكون مجتمعاتنا الشرقية تتقبل هذا الأمر لاعتبارات كثيرة ورثها المجتمع من السلف وبعض النصائح الدينية التي تم تفسيرها بشكل خاطئ ؛ مع غياب العقاب القانوني والقصاص الاجتماعي والملاحقة العادلة من محاكم وشرطه أو رقابه وحماية الأسرة أو جمعيات حقوق الطفل وغيرها من الجمعيات والمؤسسات الخاصة والحكومية. وقد سهل غياب كل هذه الأمور انتشار هذه الظاهرة واستفحالها خاصة بالبيوت الأقل حظا من ناحية التعليم والثقافة والانفتاح على العالم وأيضا بين الأقل حظا ماليا مما يعانون من الإحباط والحالات النفسية السيئة التي تنعكس على تعاملهم مع أطفالهم، إضافة لحالات التفكك الأسري من الطلاق وزواج كلا الوالدين من أطراف أخرى ما يعرض الطفل للاضطهاد من قبل زوج الأم أو زوجة الأب، وأيضا حالات إدمان أحد الوالدين أو كليهما شري الخمور والكحوليات والمخدرات و مذهبات العقل بأنواعها .

أما حالات العنف الطارئة كما أسمَيْتُها فهي العنف الذي يحل على الطفل بسبب الحروب أو الاحتلال وهي حالة من العنف تشمل المجتمع بجميع شرائحه بما فيها الطفل بحيث لا يكون الطفل هو الهدف الرئيسي أو الضحية المقصودة وكذلك ما يحدث نتيجة الفيضانات والأعاصير والكوارث الطبيعية من نتائج ومؤثرات على الطفل تصل لمرحلة العنف غير المقصود والذي يحل على البلد بكاملها ولا يفرق بين طفل أو شيخ، غني أو فقير؛ ولكن عادة الأطفال أول المتأثرين دائما، وأول من يلتقط الإشارات وتجري عليه التجارب وتلاحظ عليه النتائج إلا أن في هذه الحالات يصعب حماية الطفل من العنف لأن المسببات ليس بيدك بل خارجه عن إرادتك.

العنف الأسرى الذى يتعرض له الطفل أنواع مختلفة منها :-

- العنف الجسدي: وهو أشهرها وأكثرها انتشارا وشيوعا في معظم البيوت العربية بمجتمعنا وهو يكون ممن له الولاية على الطفل ويستخدم فيه الضرب باليد أو بالعصا أو أى آلة وهو يكون أغلبه من الأب أو شد الشعر وأعتقد أنه يمارس ضد البنت ويصل أحيانا لقص الشعر وتمارسه في الغالب زوجة ألأب وقد يصل للعض تصوروا طفل يتعرض للعض بأسنان بشرية من ذويه فهل يعقل؟! وهو ما نراه كثيرا في الفترة الأخيرة مع ألأسف .

- والعنف النفسي: وهو الإيذاء المعنوي الذى يتعرض له الطفل من ذويه مثل الإهمال أو الحرمان من الحرية بالحبس بالمنزل مثلا أو العزل وعدم الاختلاط مما يجعل الطفل انطوائيا في حالة خوف من أى شيء وكل شيء بصورة دائمة ومستمرة وقد يصل للاكتئاب أو التبول اللاإرادي أو الكوابيس الليلية وغيرها من ردود الأفعال

- العنف الصحي : وهو قليل ولكنه خطير في نفس الوقت يعانى فيه الطفل من عدم توافر الرعاية الصحية اللازمة لمن في عمره قد يكون سببها عن قصد ذويه أو إهمالهم لهذه الناحية أو عدم المقدرة المادية، أو التجويع وهو عدم توفير التغذية اللازمة للطفل نتيجة الجهل أو عدم القدرة المالية من ذويه وأحيانا يتعرض الطفل للعنف بسبب مرض الأهل أو أحد ذويه الذى يعاني من خلل نفسي أو جسدي لا يتحكم بسبه بتصرفاته وردود أفعاله.

والعنف ألأسرى الموجه للطفل يعتبر أسوء أشكال العنف ضد الطفل يحدث بصورة شبه يومية وقد أثبتت الإحصائيات أن أعلى نسبة ضحايا العنف الأسرى هي بين الشابات من سن 15 إلى 35 سنة وتصل النسبة ل65%، كما أكدت الدراسات أن العنف يتناسب تناسب عكسي مع عمر الطفل؛ بمعنى كلما كان عمر الطفل أصغر زاد العنف وكلما كان عمر الطفل أكبر يقل العنف وهو ما يعكس طبيعة الفاعل الذى يمارس العنف ويوجهه لبراءة الطفل ويدل على ضعفه ودناءة تصرفه وسلوكه الغير سوى.

في رأيي مأساة العنف الأسرى ضد الأطفال تظهر كون الطفل لا يشكوا من العنف الذى يتعرض له بل ولا يقاومه فهو بالنسبة للجاني ضحية ضعيفة سهلة بدون أنياب حتى يدافع عن نفسه . و يظل يعاني من آثار جمة ومتعددة أقلها على الإطلاق الآثار الجسدية التى تظهر على جسد الطفل من تشوهات تظهر على جسد الطفل والتي تصل في بعض الأحيان لفقد أحد حواسه كالسمع أو البصر وهي تعرف مجرد مناظرة الطفل ورؤيته لنعرف مقدار العنف المتعرض له. وهناك آثار نفسية غير منظورة تحدث للطفل والتي تبدأ من الانطواء والخوف والقلق المستمر والإحباط وقد تصل لحد الاكتئاب . كذلك من آثار العنف الأسرى آثار ربما تكون الأخطر والتي تؤثر في العقل مما يصاب الطفل معها بالصرع أو الصداع الدائم أو معانته من الأورام السرطانية أو أورام بالمخ . كما أنه يؤثر في نموه الجسدي والعقلي والنفسي مما يجعل لدينا طفل مشوه ليكبر ويصبح رجلا أو امرأة غير سوى عدو للمجتمع وغير متأقلم معه . هذا بالإضافة أن إمكانية أن يتسبب العنف ضد الطفل أن يصبح في المستقبل مجرم أو إرهابي لينتقم من المجتمع بسبب ما تعرض له من عنف لتعانى الأسرة والمجتمع على السواء من سلوكياته الإجرامية والتي تصل لدرجة الإرهاب.

وأعتقد أن كل هذه التشوهات التى قد يصاب بها الطفل -المجني عليه- ضحية العنف الأسرى تجعلنا أن نقف مع أنفسنا للحظة لنفكر ونبحث وندرس أسباب هذه الظاهرة للوقوف عليها لنضع العلاج المناسب للوقاية منها، فهي برأيي مثل الطاعون الذى يأكل الأخضر واليابس حولنا يأكل أغلى ما لدينا أطفالنا، يغتال براءة فلذات أكبادنا بدون أن نشعر، وهم لا ذنب لهم سوى أنهم أطفال ضعاف حظهم العاثر وضعهم تحت سلطة وولاية من لا يرحم ولا يعرف قيمتهم ولا يقدر عطية الرحمن، ليفوت فرصة عظيمة لا تعوض لدخول الجنة وفرها رب العزة بتواجد هؤلاء الأطفال،المطلوب منا القليل مجرد حسن رعاية وتربية أطفالنا وجعلهم صالحين ليدعوا لنا ويفيدوا أنفسهم ومجتمعهم .

دعوة أوجهها لكل مسؤول وكل أب وأم وأخ وزوج وزوجة.. إلخ. أن يتوقفوا فورا عن ما يقومون به من عنف تجاه فلذات الأكباد؛ أتمنى أن يجد ندائي صدى حتى ننقذ براءة أطفالنا زينة الحياة الدنيا . ولا أجد أمامي سوى مناجاة السلطات بكل دولنا العربية لاتخاذ الإجراءات اللازمة أسوة بالبلدان المتقدمة اتجاه ولي الأمر أو أي شخص يتعرض لطفل بحجة القرابة أو ألقوامه أو إصلاح السلوك أو لأي سبب آخر بالقبض على الجاني ومحاكمته فورا وتوقيع أقٌصى العقوبات عليه ؛ والاهتمام برقابة الأسر وتوعية أفراد المجتمع، وتخصيص رقم مباشر وحيوي يتصل عليه الطفل ليقدم شكواه بشكل آمن ضد أى شخص يتعرض له بسوء وأن يتم التحقيق والمتابعة؛ وأن كانت الوقاية خيرًا من العلاج بالتوعية أولًا وسن القوانين ثانيا فسيكون العلاج ثالثا بعقاب الجناة واحتواء الطفل بمكان آمن وإبعاده عن مواقع وظروف الجريمة.



سارة طالب السهيل