العلاقة الزوجية العاطفية: تعارف، وتآلف، وتكاتف.
مشروعية التعارف:
قول النبي صلى الله عليه وسلمللخاطب: "انْظُرْ إِلَيْهَا فإنه أَحْرَى أن يُؤْدَمَ بَيْنَكُمَا" رواه الترمذي وحَسّنه. ورواه ابن الجارود بلفظ: (إنه أدوم لما بينكما).أَدومُ لِلمحبّة والمودّة والموافقة والملاءمة بينكما. وهذا التعليلُ مُهمّ جداً، فمرحلة التعارف مرحلة مهمة جداً ومن أهم الخطوات في حياة العازم على الزواج، ومن هذا التعارف: النظرُ والتأمّلُ في المخطوبة فإنه يُورِث المودةَ والاتفاق، عَكْسَ الخفاءِ والغُموض. ولم يقل صلى الله عليه وسلم: ((انظر إلى وجهها وكفيها)) وإنما قال: ((انظر إليها)) لِيشمل كلَّ ما يدعو الخاطبَ إلى النكاح، وهذا يفيد التعارف وأهميته في بناء زواج مستقر آمنٍ.
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إذا خَطَبَ أحدُكم المرأةَ؛ فإنِ استطاعَ أنْ يَنْظُرَ إلى ما يدعوه إلى نكاحهافلْيَفْعَلْ)). إسناده حسن رواه أبوداود وغيره.
أخطر مراحل هذه الحياة: مرحلة التعارف، لأن التعارف إما عن طريق الخطوبة، وإما عن طريق الميول القلبي العاطفي.
------------------------------------------------
طرق التعارف:
وقد درج بين الناس التعارف بطريقتين:
الطريقة الأولى: الخطوبة لها أصولها وآدابها، ولابد من فن معرفة التعارف كي يكون الاختيار موفقاً، ولا بد من الاستشارة والتثقيف والوعي في هذا المرحلة، لينال الإنسان شهادة قيادة الحياة الزوجية.
وقد فتح النبي صلى الله عليه وسلم باب التعارف قبل الزواج عبر الخطوبة والنظر والتعرف على من يريدها الرجل زوجة له.
والخطوبة لها آدابها وأحكامها، وتوسع الفقهاء في هذه المسألة، فمن قائل يجوز النظر إلى الوجه والكفين فقط، ومن متوسع في المسألة، فأباح النظر إلى غير الوجه والكفين كالشعر وما تحجم من الجسم عبر اللباس الضيق، كما هو مذهب الصحابي الجليل الفقيه جابر بن عبد الله الأنصاري ومحمد بن مسلمة الأنصاري وجماعة من فقهاء الإسلام ذكرتهم في كتابي: النظر إلى المخطوبة.
-------------------------------------------------
الطريقة الثانية من طرق التعارف قبل الزواج: الميول القلبي والعاطفي. ولم ينكر النبي صلى الله عليه وسلم هذه الطريقة، قال جابر بن عبد الله رضي الله عنهما: جاء رَجلٌ إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول عندنا يتيمةٌ قد خَطبها رَجلان: مُوْسِرٌ ومُعْسِرٌ، وهي تَهوى الْمُعْسِرَ، ونحن نَهوى الموسِرَ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((لم يُرَ للمتحابَّيْنِ مِثل النكاح))حديث ثابت رواه ابن شاذان في مشيخته الصغرى وابن النجار في التاريخ عن جابر. والخرائطي في اعتلال القلوب عن ابن عباس.
وهذا النوع من الحب قبل الزواج.
-------------------------------------------
وهناك حب بعد الزواج:
وقد كان النبي قد تعرف على عائشة قبل أن يتزوجها بطريقة عجيبة، ((أُريتُكِ في المنامِ ثلاثَ ليال، جاءني بكِ الْمَلَكُ في سَرَقَةٍ من حرير ؛ فيقول: هذه امرأتُكَ فأَكْشِفُ عن وجهك فإذا أنتِ هي، فأقول: إنْ يَكُ هذا مِن عند الله يُمْضِهِ. رواه البخاري في صحيحه في باب النظر إلى المرأة قبل التزويج ومسلم.
وفي رواية: قالت عائشة رضي الله عنها: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:((أُريتُكِ قَبْلَ أنْ أتزوَّجَكِمرّتين: رأيتُ الْمَلَكَ يَحْمِلُكِ في سَرَقَةٍ مِن حريرِ(أي صورتها على قِطعة مِن روائع الحرير) فقلتُ له:اكشفْ، فكَشَفتُ فإذا هي أنتِ ... ثم أُريتُكِ يَحْمِلُكِ في سَرَقَةٍ مِن حريرٍ فقلت:اكشف، فكَشَفْتُ فإذا هي أنتِ)). رواه البخاري في صحيحه.
وهذا نوع خاص من التعارف بين النبي صلى الله عليه وبين عائشة عن طريق الوحي.
------------------------------------------------------------
ونشأ بين النبي صلى الله عليه وسلم وبين زوجته الأولى حب عميق ما نسيه حتى بعد وفاة زوجته، وهو أول حب في الإسلام، بين النبي وزوجته خديجة رضي الله عنها سيد نساء العالم كله.
حيث قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم عن زوجته خديجة:((إني قد رُزِقْتُ حُبَّها)). رواه البخاري ومسلم.
------------------------------------------------------------
مشروعية التآلف:
بعد الموافقة على الزواج وتقرير المصير يجب أن يكون هناك تآلف وتراحم ومودة وألفة وتفاهم واحتواء كل واحد للآخر.
وقد قال الله تعالى: (وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْخَلَقَلَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُواإِلَيْهَاوَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةًإِنَّ فِي ذَلِكَل آيَاتٍ لِّقَوْم ٍيَتَفَكَّرُونَ).
وقال النبي صلى الله عليه وسلم: "ما أفاد عبد بعد الإسلام خير له من زوجة مؤمنة إذا نظر إليها سرته، وإذا غاب عنها حفظته في نفسها وماله". حديث صحيح رواه الطبراني وغيره.
وفي رواية لأحمد: قيل: يا رسولَ اللَّهِ ، أَيُّ النِّساءِ خَيْرٌ ؟ ، قالَ: "الَّتي تَسُرُّهُ إِذَا نَظَرَ، وتُطِيعُهُ إذا أَمَرَ، ولا تُخَالِفُهُ فِيمَا يَكْرَهُ فِي نَفْسِها ومَالِهِ "
إذا نظر إليها سرته بحبها ومودتها وحسن معاملتها وأخلاقها وشكلها ومنظرها وزينتها وأنوثتها، ولما بينهما من ألفة وتآلف وتقارب، تدخل السرور على نفسه وقلبه.
وغاب عنها حفظته لأنها تتكاتف معه بحفظ المال والمصرف والأمانة والحرص على ماله ومصلحته. وحفظته في نفسها بالعفة والشرف والطهر والعفاف وهذا نوع راقٍ جداً من التكاتف.
إذا نظر إليها سرته: لما بينهما من ألفة وتآلف وتقارب، تدخل السرور على نفسه وقلبه.
وتقدم الحديث الشريف القائل: "انْظُرْ إِلَيْهَا فإنه أَحْرَى أن يُؤْدَمَ بَيْنَكُمَا" "فإنه أدوم بينكما" وهذا يعني التآلف والألفة التي قال النبي صلى الله عليه وسلم عنها: "خيركم من يألف ويؤلف"
وهناك أحاديث نبوية كثيرة جدا تظهر أهمية الألفة بين الزوجين قالها النبي صلى الله عليه وسلم ومارسها في حياته، تجدها في كتابي: فن تعامل النبي صلى الله عليه وسلم في الحياة الزوجية.
-----------------------------------------------------------
فخير زوجين زوجان تآلفا وتحابا وتراحما وتوادا، وهذا لا يكون إلا بمقدمة التعارف بطريقة متقنة ودقيقة ومتريثة، من رجل فهم الحياة الزوجية، وفهم معنى تحمل المسؤولية، وفهم قيمة المرأة وإكرامها والإحسان إليها وإشباعها عاطفياً وحميمياً، بالقول والفعل، ويفهم نفسية الزوجة وحاجة الزوجة ورغباتها. كل هذا يجب توفره في الذي يريد الزواج، ويجب على المرأة معرفته في الذي تريده زوجا لها.
كذلك يجب أن يعرف الرجل من يخطب، المرأة التي تقدر الحياة الزوجية وتعرف قيمة الزوج ومكانته عند الله، وتعرف التفنن في الإمتاع والإشباع الجنسي والعاطفي، وتتحمل مسؤولية الحياة الزوجية. وتفهم نفسية الرجل وحاجته ورغباته، هذا معنى التعارف الذي هو أساس السعادة، يأتي بعد تآلف تثبت الحياة الزوجية بسببه، وتتوج الحياة الزوجية وتمشي وتدوم وتطول: بالتكاتف، وهي المرحلة الثالث من مراحل الحياة الزوجية:
-------------------------------------------
مشروعية التكاتف:
قال النبي صلى الله عليه وسلم: "كلكم راع، وكلكم مسؤول عن رعيته...والرجل في أهله راع وهو مسؤول عن رعيته، والمرأة في بيت زوجها راعية وهي مسؤولة عن رعيتها". رواه البخاري ومسلم. وعندما يتحمل كل واحد مسؤولية هذه الزواج يحصل التكاتف، لأن المؤمن يعلم أنه مسؤول أمام الله عن هذه الأمانة: أمانة الزوجة وأمانة الزوج وأمانة الولد، فيندفع الطرفان إلى تحمل المسؤولية والقيام بها ابتغاء رضا الله والجنة، فيثمر التكاتف: السعادة والاستقرار.
----------------------------------------------------------------------
وخلال هذه المسيرة العطرة للحياة الزوجية، تأتي المواقف النبيلة من جهة الزوجين:
- قال النبي صلى الله عليه وسلم: "ما أفاد عبدٌ بعد الإسلام خير له من زوجة مؤمنة، إذا نظر إليها سرته، وإذا غاب عنها حفظته في نفسها وماله "
وفي رواية لأحمد: قيل: يا رسولَ اللَّهِ ، أَيُّ النِّساءِ خَيْرٌ ؟ ، قالَ: "الَّتي تَسُرُّهُ إِذَا نَظَرَ، وتُطِيعُهُ إذا أَمَرَ، ولا تُخَالِفُهُ فِيمَا يَكْرَهُ فِي نَفْسِها ومَالِهِ "
إذا نظر إليها سرته بحبها ومودتها وحسن معاملتها وأخلاقها وشكلها ومنظرها وزينتها وأنوثتها، ولما بينهما من ألفة وتآلف وتقارب، تدخل السرور على نفسه وقلبه.
وغاب عنها حفظته لأنها تتكاتف معه بحفظ المال والمصرف والأمانة والحرص على ماله ومصلحته. وحفظته في نفسها بالعفة والشرف والطهر والعفاف وهذا نوع راقٍ جداً من التكاتف.
فهما يتعاونان بالتكاتف: (وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعداون).
وأخطر الصفات على التكاتف صفة الخيانة، قال أبو ذر رضي الله عنه: ثلاثة من الفواقر (أي المصائب الكبرى): المرأة السوء يحبها زوجها وهي تخونه في نفسها وماله وهو لا يستطيع أن يطلقها. واه عبد الله بن المبارك في البر والصلة.
وكذلك من المصائب الكبرى: الرجل السوء تحبه زوجته وهو يخونها ولا تستطيع أن تنفصل عنه، بسبب العيال أو شدة حبها له وضعفها أمامه وحاجتها له.
-------------------------------------------------------------
ومن أساليب التكاتف:
أسلوب التسامح والتغاضي عن الزلات، ونسيان أخطاء الماضي، فقد قال عليه الصلاة والسلام: (لايفركمؤمنمؤمنةإنكرهمنهاخلقاًرضيمنهاآخر). رواه مسلم.
والمعنىلايبغضولا يكرهولا يَنْفُرْزوجمنزوجتهوزوجةمنزوجهامنأجلخللفيجانبلأنالم قابلهناكجوانبأخرىجميلةوجيدة.
ويحتاج التعارف والتآلف والتكاتف إلى: التثقيف، والصبر، والمتعة، لينتج النجاح وتحصل السعادة.
وهذا الذي نسعى إليه عبر جميع الوسائل، بطباعة الكتب ونشر المقالات، وإطلاق الخدمات من أجل الاستشارات، لأن الحياة الزوجية تطرأ عليها مشاكل حتى في أحسن الأسر، فأسرة النبي صلى الله عليه وسلم لم تخل من الخلافات والمشاكل، كما في سورة التحريم وسورة الأحزاب، وكتاب صحيح البخاري في كتاب الطلاق.
----------------------------------------------------------------------
ومن هنا شرع الله الاستشارات، فقال في القرآن: (فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون).
وأهل الذكر هم أهل العلم وأهل الاختصاص في أي مجال كان.
والنبي صلى الله عليه وسلم يقول: (شفاء العي السؤال). حديث صحيح رواه أحمد.
شفاء الجهل، وشفاء الحياة من المشاكل الاجتماعية والأسرية والعاطفية والشخصية هو السؤال والاستشارة.
وقد قال الله تعالى: (وأمرهم شورى بينهم) وقال سبحانه لنبيه عليه السلام: (وشاورهم في الأمر). فمبدأ الاستشارة منصوص عليه في كتاب الله وسنة النبي صلى الله عليه وسلم القولية والفعلية العملية.
ولم يكن هناك حدود في الاستشارة، حيث فتح الإسلام باب الاستشارة على مصراعيه من دون حدود ولا حياء مذموم ولا تحكيم للمزاج والعادة، ولا تخصيص للرجل دون المرأة ولا لمسألة دون أخرى. وسنذكر أدلة عجيبة في هذا المجال، مجال فتح الباب على مصراعيه لمن أراد أن يستشير في كل أمور حياته بلا استثناء.
فانتظرونا لتسمعوا وتقرؤوا وتروا أعجب قصص الاستشارة في الإسلام ..