بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ


قال أبن القيم( قدس الله روحه) :مَا يُشْتَرَطُ فِيمَنْ يُوَقِّعُ عَنْ اللَّهِ وَرَسُولِهِ

وَلَمَّا كَانَ التَّبْلِيغُ عَنْ اللَّهِ سُبْحَانَهُ يَعْتَمِدُ الْعِلْمَ بِمَا يُبَلَّغُ ،

وَالصِّدْقَ فِيهِ ، لَمْ تَصْلُحْ مَرْتَبَةُ التَّبْلِيغِ بِالرِّوَايَةِ وَالْفُتْيَا

إلَّا لِمَنْ اتَّصَفَ بِالْعِلْمِ وَالصِّدْقِ ; فَيَكُونُ عَالِمًا بِمَا يُبَلِّغُ صَادِقًا

فِيهِ وَيَكُونُ مَعَ ذَلِكَ حَسَنَ الطَّرِيقَةِ ، مَرَضِيَّ السِّيرَةِ عَدْلًا

فِي أَقْوَالِهِ وَأَفْعَالِهِ ، مُتَشَابِهَ السِّرِّ وَالْعَلَانِيَةِ فِي مَدْخَلِهِ وَمَخْرَجِهِ

وَأَحْوَالِهِ ; وَإِذَا كَانَ مَنْصِبُ التَّوْقِيعِ عَنْ الْمُلُوكِ بِالْمَحِلِّ الَّذِي

لَا يُنْكَرُ فَضْلُهُ ، وَلَا يُجْهَلُ قَدْرُهُ ، وَهُوَ مِنْ أَعْلَى الْمَرَاتِبِ السَّنِيَّاتِ

فَكَيْف بِمَنْصِبِ التَّوْقِيعِ عَنْ رَبِّ الْأَرْضِ وَالسَّمَوَاتِ

فَحَقِيقٌ بِمَنْ أُقِيمَ فِي هَذَا الْمَنْصِبِ أَنْ يَعُدَّ لَهُ عِدَّتَهُ ، وَأَنْ يَتَأَهَّبَ

لَهُ أُهْبَتَهُ وَأَنْ يَعْلَمَ قَدْرَ الْمَقَامِ الَّذِي أُقِيمَ فِيهِ ، وَلَا يَكُونُ فِي

صَدْرِهِ حَرَجٌ مِنْ قَوْلِ الْحَقِّ وَالصَّدْعِ بِهِ ; فَإِنَّ اللَّهَ نَاصِرُهُ وَهَادِيهِ ،

وَكَيف هُوَ الْمَنْصِبُ الَّذِي تَوَلَّاهُ بِنَفْسِهِ رَبُّ الْأَرْبَابِ فَقَالَ تَعَالَى :

وَيَسْتَفْتُونَكَ فِي النِّسَاءِ قُلْ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِيهِنَّ وَمَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ فِي

الْكِتَابِ وَكَفَى بِمَا تَوَلَّاهُ اللَّهُ تَعَالَى بِنَفْسِهِ شَرَفًا وَجَلَالَةً ; إذْ

يَقُولُ فِي كِتَابِهِ : { يَسْتَفْتُونَكَ قُلْ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلَالَةِ } ،

وَلِيَعْلَمَ الْمُفْتِي عَمَّنْ يَنُوبُ فِي فَتْوَاهُ ، وَلِيُوقِنَ أَنَّهُ مَسْئُولٌ غَدًا

وَمَوْقُوفٌ بَيْنَ يَدَيْ اللَّهِ

وَقَالَ ابْنُ هَانِئٍ : سَأَلْت أَبَا عَبْدِ اللَّهِ عَنْ الَّذِي جَاءَ فِي الْحَدِيثِ {

أَجْرَؤُكُمْ عَلَى الْفُتْيَا أَجْرَؤُكُمْ عَلَى النَّارِ } قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ

رَحِمَهُ اللَّهُ : يُفْتِي بِمَا لَمْ يَسْمَعْ ، قَالَ : وَسَأَلْتُهُ عَمَّنْ أَفْتَى بِفُتْيَا

يَعِي فِيهَا قَالَ : فَإِثْمُهَا عَلَى مَنْ أَفْتَاهَا ، قُلْت : عَلَى أَيِّ وَجْهٍ

يُفْتِي حَتَّى يَعْلَمَ مَا فِيهَا ؟ قَالَ : يُفْتِي بِالْبَحْثِ ، لَا يَدْرِي أَيْشٍ

أَصْلُهَا

وَقَالَ أَبُو دَاوُد فِي مَسَائِلِهِ : مَا أُحْصِي مَا سَمِعْتُ أَحْمَدَ سُئِلَ عَنْ

كَثِيرٍ مِمَّا فِيهِ الِاخْتِلَافُ فِي الْعِلْمِ فَيَقُولُ : لَا أَدْرِي ، قَالَ :

وَسَمِعْتُهُ يَقُولُ : مَا رَأَيْت مِثْلَ ابْنِ عُيَيْنَةَ فِي الْفَتْوَى أَحْسَنَ فُتْيَا

مِنْهُ ، كَانَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ أَنْ يَقُولَ : لَا أَدْرِي .

وَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ فِي مَسَائِلِهِ : سَمِعْت أَبِي يَقُولُ : وَقَالَ عَبْدُ

الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ سَأَلَ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ الْغَرْبِ مَالِكَ بْنَ أَنَسٍ

عَنْ مَسْأَلَةٍ فَقَالَ : لَا أَدْرِي فَقَالَ : يَا أَبَا عَبْدِ اللَّهِ تَقُولُ لَا أَدْرِي ؟

قَالَ : نَعَمْ ، فَأَبْلِغْ مَنْ وَرَاءَك أَنِّي لَا أَدْرِي .

وَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ : كُنْت أَسْمَعُ أَبِي كَثِيرًا يُسْأَلُ عَنْ الْمَسَائِلِ فَيَقُولُ :

لَا أَدْرِي وَيَقِفُ إذَا كَانَتْ مَسْأَلَةٌ فِيهَا اخْتِلَافٌ ، وَكَثِيرًا مَا

كَانَ يَقُولُ : سَلْ غَيْرِي ، فَإِنْ قِيلَ لَهُ : مَنْ نَسْأَلُ ؟ قَالَ : سَلُوا

الْعُلَمَاءَ ، وَلَا يَكَادُ يُسَمِّي رَجُلًا بِعَيْنِهِ قَالَ : وَسَمِعْت أَبِي يَقُولُ :

كَانَ ابْنُ عُيَيْنَةَ لَا يُفْتِي فِي الطَّلَاقِ ، وَيَقُولُ : مَنْ يُحْسِنُ هَذَا ؟ ،

كَرَاهَةُ الْعُلَمَاءِ التَّسَرُّعَ فِي الْفَتْوَى

قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ : حَدَّثَنَا جَرِيرٌ عَنْ عَطَاءِ بْنِ السَّائِبِ عَنْ عَبْدِ

الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى قَالَ : أَدْرَكْت عِشْرِينَ وَمِائَةً مِنْ

الْأَنْصَارِ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا مِنْهُمْ رَجُلٌ يُسْأَلُ

عَنْ شَيْءٍ إلَّا وَدَّ أَنَّ أَخَاهُ كَفَاهُ ، وَلَا يُحَدِّثُ حَدِيثًا إلَّا وَدَّ أَنَّ أَخَاهُ

كَفَاهُ

وَقَالَ مَالِكٌ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ قَالَ : قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ : إنَّ كُلَّ مَنْ

أَفْتَى النَّاسَ فِي كُلِّ مَا يَسْأَلُونَهُ عَنْهُ لَمَجْنُونٌ

قَالَ مَالِكٌ : وَبَلَغَنِي عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ مِثْلُ ذَلِكَ ، رَوَاهُ ابْنُ وَضَّاحٍ عَنْ

يُوسُفَ بْنِ عَدِيٍّ عَنْ عَبْدِ بْنِ حُمَيْدٍ عَنْ الْأَعْمَشِ عَنْ

شَقِيقٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ ، وَرَوَاهُ حَبِيبُ بْنُ أَبِي ثَابِتٍ عَنْ أَبِي وَائِلٍ عَنْ عَبْدِ

اللَّهِ

وَقَالَ سَحْنُونُ بْنُ سَعِيدٍ : أَجْسَرُ النَّاسِ عَلَى الْفُتْيَا أَقَلُّهُمْ عِلْمًا ،

يَكُونُ عِنْدَ الرَّجُلِ الْبَابُ الْوَاحِدُ مِنْ الْعِلْمِ يَظُنُّ أَنَّ الْحَقَّ كُلَّهُ فِيهِ

وَقَالَ سَحْنُونٌ : إنِّي لَأَحْفَظُ مَسَائِلَ مِنْهَا مَا فِيهِ ثَمَانِيَةُ أَقْوَالٍ مِنْ

ثَمَانِيَةِ أَئِمَّةٍ مِنْ الْعُلَمَاءِ فَكَيْف يَنْبَغِي أَنْ أَعْجَلَ بِالْجَوَابِ قَبْلَ

الْخَبَرِ ؟

فَلِمَ أُلَامُ عَلَى حَبْسِ الْجَوَابِ ؟ وَقَالَ ابْنُ وَهْبٍ : حَدَّثَنَا أَشْهَلُ بْنُ

حَاتِمٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَوْنٍ عَنْ ابْنِ سِيرِينَ قَالَ

قَالَ حُذَيْفَةُ : إنَّمَا يُفْتِي النَّاسَ أَحَدُ ثَلَاثَةٍ : مَنْ يَعْلَمُ مَا نُسِخَ مِنْ

الْقُرْآنِ ، أَوْ أَمِيرٌ لَا يَجِدُ بُدًّا ، أَوْ أَحْمَقُ مُتَكَلِّفٌ

قَالَ : فَرُبَّمَا قَالَ ابْنُ سِيرِينَ : فَلَسْت بِوَاحِدٍ مِنْ هَذَيْنِ ، وَلَا أُحِبُّ

أَنْ أَكُونَ الثَّالِثَ

قَالَ :أبن القيم :الْمُحَرَّمَاتُ عَلَى أَرْبَعِ مَرَاتِبَ

وَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ الْقَوْلَ عَلَيْهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ فِي الْفُتْيَا وَالْقَضَاءِ ،

وَجَعَلَهُ مِنْ أَعْظَمِ الْمُحَرَّمَاتِ ، بَلْ جَعَلَهُ فِي الْمَرْتَبَةِ الْعُلْيَا مِنْهَا

فَقَالَ تَعَالَى : { قُلْ إنَّمَا حَرَّمَ رَبِّي الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا

بَطَنَ وَالْإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاَللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ

سُلْطَانًا وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ }

فَرَتَّبَ الْمُحَرَّمَاتِ أَرْبَعَ مَرَاتِبَ ، وَبَدَأَ بِأَسْهَلِهَا وَهُوَ الْفَوَاحِشُ ، ثُمَّ

ثَنَّى بِمَا هُوَ أَشَدُّ تَحْرِيمًا مِنْهُ وَهُوَ الْإِثْمُ وَالظُّلْمُ ، ثُمَّ ثَلَّثَ

بِمَا هُوَ أَعْظَمُ تَحْرِيمًا مِنْهُمَا وَهُوَ الشِّرْكُ بِهِ سُبْحَانَهُ ، ثُمَّ رَبَّعَ بِمَا

هُوَ أَشَدُّ تَحْرِيمًا مِنْ ذَلِكَ كُلِّهِ وَهُوَ الْقَوْلُ عَلَيْهِ بِلَا عِلْمٍ

وَهَذَا يَعُمُّ الْقَوْلَ عَلَيْهِ سُبْحَانَهُ بِلَا عِلْمٍ فِي أَسْمَائِهِ وَصِفَاتِهِ

وَأَفْعَالِهِ وَفِي دِينِهِ وَشَرْعِهِ وَقَالَ تَعَالَى : { وَلَا تَقُولُوا لِمَا تَصِفُ

أَلْسِنَتُكُمْ الْكَذِبَ هَذَا حَلَالٌ وَهَذَا حَرَامٌ لِتَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ إنَّ

الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ لَا يُفْلِحُونَ مَتَاعٌ قَلِيلٌ وَلَهُمْ عَذَابٌ

أَلِيمٌ } فَتَقَدَّمَ إلَيْهِمْ ُ

بْحَانَهُ بِالْوَعِيدِ عَلَى الْكَذِبِ عَلَيْهِ فِي أَحْكَامِهِ ، وَقَوْلِهِمْ لِمَا لَمْ

يُحَرِّمْهُ : هَذَا حَرَامٌ ، وَلِمَا لَمْ يَحِلَّهُ : هَذَا حَلَالٌ ، وَهَذَا بَيَانٌ مِنْهُ

سُبْحَانَهُ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لِلْعَبْدِ أَنْ يَقُولَ : هَذَا حَلَالٌ وَهَذَا حَرَامٌ إلَّا

بِمَا عَلِمَ أَنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ أَحَلَّهُ وَحَرَّمَهُ

وَقَالَ بَعْضُ السَّلَفِ : لِيَتَّقِ أَحَدُكُمْ أَنْ يَقُولَ : أَحَلَّ اللَّهُ كَذَا ، وَحَرَّمَ

كَذَا ، فَيَقُولُ اللَّهُ لَهُ : كَذَبْت ، لَمْ أُحِلَّ كَذَا ، وَلَمْ أُحَرِّمْ كَذَا ;

فَلَا يَنْبَغِي أَنْ يَقُولَ لِمَا لَا يعْلَمُ وُرُودَ الْوَحْيِ الْمُبِينِ بِتَحْلِيلِهِ

وَتَحْرِيمِهِ أَحَلَّهُ اللَّهُ وَرَحِمَهُ اللَّهُ لِمُجَرَّدِ التَّقْلِيدِ أَوْ بِالتَّأْوِيلِ

وَقَالَ ابْنُ وَهْبٍ : سَمِعْت مَالِكًا يَقُولُ : لَمْ يَكُنْ مِنْ أَمْرِ النَّاسِ وَلَا

مَنْ مَضَى مِنْ سَلَفِنَا ، وَلَا أَدْرَكْت أَحَدًا أَقْتَدِي بِهِ يَقُولُ فِي شَيْءٍ

هَذَا حَلَالٌ ، وَهَذَا حَرَامٌ ، وَمَا كَانُوا يَجْتَرِئُونَ عَلَى ذَلِكَ ، وَإِنَّمَا

كَانُوا يَقُولُونَ : نَكْرَهُ كَذَا ، وَنَرَى هَذَا حَسَنًا ; فَيَنْبَغِي هَذَا ، وَلَا

نَرَى هَذَا

وَرَوَاهُ عَنْهُ عَتِيقُ بْنُ يَعْقُوبَ ، وَزَادَ : وَلَا يَقُولُونَ حَلَالٌ وَلَا حَرَامٌ ،

أَمَا سَمِعْت قَوْلَ اللَّهِ تَعَالَى :

{ قُلْ أَرَأَيْتُمْ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ لَكُمْ مِنْ رِزْقٍ فَجَعَلْتُمْ مِنْهُ حَرَامًا وَحَلَالًا

قُلْ آللَّهُ أَذِنَ لَكُمْ أَمْ عَلَى اللَّهِ تَفْتَرُونَ ؟ } الْحَلَالُ : مَا أَحَلَّهُ اللَّهُ

وَرَسُولُهُ ، وَالْحَرَامُ مَا حَرَّمَهُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ

قَالَ :أبن القيم :مَا يَقُولُهُ الْمُفْتِي فِيمَا اجْتَهَدَ فِيهِ

وَالْمَقْصُودُ أَنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ حَرَّمَ الْقَوْلَ عَلَيْهِ بِلَا عِلْمٍ فِي أَسْمَائِهِ

وَصِفَاتِهِ وَأَفْعَالِهِ وَأَحْكَامِهِ ، وَالْمُفْتِي يُخْبِرُ عَنْ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَعَنْ

دِينِهِ

فَإِنْ لَمْ يَكُنْ خَبَرُهُ مُطَابِقًا لِمَا شَرَعَهُ كَانَ قَائِلًا عَلَيْهِ بِلَا عِلْمٍ ،

وَلَكِنْ إذَا اجْتَهَدَ وَاسْتَفْرَغَ وُسْعَهُ فِي مَعْرِفَةِ الْحَقِّ وَأَخْطَأَ لَمْ يَلْحَقْهُ

الْوَعِيدُ ، وَعُفِيَ لَهُ عَنْ مَا أَخْطَأَ بِهِ ، وَأُثِيبَ عَلَى اجْتِهَادِهِ

وَلَكِنْ لَا يَجُوزُ أَنْ يَقُولَ لِمَا أَدَّاهُ إلَيْهِ اجْتِهَادُهُ وَلَمْ يَظْفَرْ فِيهِ

بِنَصٍّ عَنْ اللَّهِ وَرَسُولِهِ : إنَّ اللَّه حَرَّمَ كَذَا ، وَأَوْجَبَ كَذَا ، وَأَبَاحَ كَذَا ،

وَإِنَّ هَذَا هُوَ حُكْمُ اللَّهِ

قَالَ ابْنُ وَضَّاحٍ : ثنا يُوسُفُ بْنُ عَدِيٍّ ، ثنا عَبِيدَةُ بْنُ حُمَيْدٍ عَنْ

عَطَاءِ بْنِ السَّائِبِ قَالَ : قَالَ الرَّبِيعُ بْنُ خُثَيْمٍ : إيَّاكُمْ أَنْ يَقُولَ

الرَّجُلُ لِشَيْءٍ : إنَّ اللَّهَ حَرَّمَ هَذَا أَوْ نَهَى عَنْهُ

فَيَقُولُ اللَّهُ : كَذَبْت لَمْ أُحَرِّمْهُ وَلَمْ أَنْهَ عَنْهُ ، أَوْ يَقُولُ : إنَّ اللَّهَ

أَحَلَّ هَذَا أَوْ أَمَرَ بِهِ ، فَيَقُولُ اللَّهُ : كَذَبْت لَمْ أُحِلَّهُ وَلَمْ آمُرْ بِهِ

قَالَ أَبُو عُمَرَ : وَقَدْ رُوِيَ عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ قَالَ فِي بَعْضِ مَا كَانَ يَنْزِلُ

بِهِ

فَيُسْأَلُ عَنْهُ فَيَجْتَهِدُ فِيهِ رَأْيُهُ : { إنْ نَظُنُّ إلَّا ظَنًّا وَمَا نَحْنُ

بِمُسْتَيْقِنِينَ }

أَدَوَاتِ الْفُتْيَا وَشُرُوطِهَا

قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ ، فِي رِوَايَةِ ابْنِهِ صَالِحٍ عَنْهُ : يَنْبَغِي لِلرَّجُلِ إذَا

حَمَلَ نَفْسَهُ عَلَى أَنْ يَكُونَ عَالِمًا بِوُجُوهِ الْقُرْآنِ ، عَالِمًا بِالْأَسَانِيدِ

الصَّحِيحَةِ عَالِمًا بِالسُّنَنِ

وَإِنَّمَا جَاءَ خِلَافُ مَنْ خَالَفَ لِقِلَّةِ مَعْرِفَتِهِمْ بِمَا جَاءَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى

اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وَقِلَّةِ مَعْرِفَتِهِمْ بِصَحِيحِهَا مِنْ سَقِيمِهَا

شَرْطُ الْإِفْتَاءِ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ

قَالَ الشَّافِعِيُّ فِيمَا رَوَاهُ عَنْهُ الْخَطِيبُ فِي كِتَابِ الْفَقِيهِ وَالْمُتَفَقِّهِ

لَهُ

لَا يَحِلُّ لِأَحَدٍ أَنْ يُفْتِيَ فِي دِينِ اللَّهِ إلَّا رَجُلًا عَارِفًا بِكِتَابِ اللَّهِ بِنَاسِخِهِ

وَمَنْسُوخِهِ ، وَمُحْكَمِهِ وَمُتَشَابِهِهِ ، وَتَأْوِيلِهِ وَتَنْزِيلِهِ ، وَمَكِّيِّهِ

وَمَدَنِيِّهِ وَمَاأُرِيدَ بِهِ

وَيَكُونُ بَعْدَ ذَلِكَ بَصِيرًا بِحَدِيثِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ،

وَبِالنَّاسِخِ وَالْمَنْسُوخِ ، وَيَعْرِفُ مِنْ الْحَدِيثِ مِثْلَ مَا عَرَفَ مِنْ الْقُرْآنِ

وَيَكُونُ بَصِيرًا بِاللُّغَةِ بَصِيرًا بِالشِّعْرِ وَمَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ لِلسُّنَّةِ

وَالْقُرْآنِ

وَيَسْتَعْمِلُ هَذَا مَعَ الْإِنْصَافِ ، وَيَكُونُ بَعْدَ هَذَا مُشْرِفًا عَلَى اخْتِلَافِ أَهْلِ

الْأَمْصَارِ ، وَتَكُونُ لَهُ قَرِيحَةٌ بَعْدَ هَذَا ، فَإِذَا كَانَ

هَكَذَا فَلَهُ أَنْ يَتَكَلَّمَ وَيُفْتِيَ فِي الْحَلَالِ وَالْحَرَامِ ، وَإِذَا لَمْ يَكُنْ

هَكَذَا فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يُفْتِيَ

وَقَالَ صَالِحُ بْنُ أَحْمَدَ : قُلْت لِأَبِي : مَا تَقُولُ فِي الرَّجُلِ يَسْأَلُ عَنْ

الشَّيْءِ فَيُجِيبُ بِمَا فِي الْحَدِيثِ وَلَيْسَ بِعَالِمٍ فِي الْفِقْهِ ؟ فَقَالَ :

يَنْبَغِي لِلرَّجُلِ إذَا حَمَلَ نَفْسَهُ عَلَى الْفُتْيَا أَنْ يَكُونَ عَالِمًا بِالسُّنَنِ ،

عَالِمًا بِوُجُوهِ الْقُرْآنِ

عَالِمًا بِالْأَسَانِيدِ الصَّحِيحَةِ ، وَذَكَرَ الْكَلَامَ الْمُتَقَدِّمَ .

وَقَالَ عَلِيُّ بْنُ شَقِيقٍ : قِيلَ لِابْنِ الْمُبَارَكِ : مَتَى يُفْتِي الرَّجُلُ ؟ قَالَ

إذَا كَانَ عَالِمًا بِالْأَثَرِ ، بَصِيرًا بِالرَّأْيِ .

وَقِيلَ لِيَحْيَى بْنِ أَكْثَمَ : مَتَى يَجِبُ لِلرَّجُلِ أَنْ يُفْتِيَ ؟ فَقَالَ : إذَا

كَانَ بَصِيرًا بِالرَّأْيِ بَصِيرًا بِالْأَثَرِ .

قُلْت : يُرِيدَانِ بِالرَّأْيِ الْقِيَاسَ الصَّحِيحَ وَالْمَعَانِيَ وَالْعِلَلَ الصَّحِيحَةَ

الَّتِي عَلَّقَ الشَّارِعُ بِهَا الْأَحْكَامَ وَجَعَلَهَا مُؤَثِّرَةً فِيهَا طَرْدًا وَعَكْسًا

وَقَالَتْ طَائِفَةٌ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ : مَنْ أَدَّاهُ اجْتِهَادُهُ إلَى رَأْيٍ رَآهُ

وَلَمْ تَقُمْ عَلَيْهِ حُجَّةٌ فِيهِ بَعْدُ فَلَيْسَ مَذْمُومًا ، بَلْ هُوَ مَعْذُورٌ

خَالِفًا كَانَ أَوْ سَالِفًا ، وَمَنْ قَامَتْ عَلَيْهِ الْحُجَّةُ فَعَانَدَ وَتَمَادَى عَلَى

الْفُتْيَا بِرَأْيِ إنْسَانٍ بِعَيْنِهِ فَهُوَ الَّذِي يَلْحَقُهُ الْوَعِيدُ

وَقَدْ رَوَيْنَا فِي مُسْنَدِ عَبْدِ بْنِ حُمَيْدٍ ثنا عَبْدُ الرَّزَّاقِ ثنا سُفْيَانُ

الثَّوْرِيُّ عَنْ عَبْدِ الْأَعْلَى عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ : قَالَ

رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : { مَنْ قَالَ فِي الْقُرْآنِ بِرَأْيِهِ

فَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ مِنْ النَّارِ }

وَقَالَ الشَّعْبِيُّ : عَنْ عَمْرِو بْنِ الْحَارِثِ قَالَ : قَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ

رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ

إيَّاكُمْ وَأَصْحَابَ الرَّأْيِ فَإِنَّهُمْ أَعْدَاءُ السُّنَنِ أَعْيَتْهُمْ الْأَحَادِيثُ أَنْ

يَحْفَظُوهَا ، فَقَالُوا بِالرَّأْيِ ، فَضُلُّوا وَأَضَلُّوا ، وَأَسَانِيدُ هَذِهِ

الْآثَارِ عَنْ عُمَرَ فِي غَايَةِ الصِّحَّةِ

وَقَالَ مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ عَنْهُ : الْعِلْمُ ثَلَاثٌ : كِتَابُ اللَّهِ النَّاطِقُ ، وَسُنَّةٌ

مَاضِيَةٌ ، وَلَا أَدْرِي

وَقَالَ :أبن القيم :الرَّأْيُ عَلَى ثَلَاثَةِ أَنْوَاعٍ

وَإِذَا عُرِفَ هَذَا فَالرَّأْيُ ثَلَاثَةُ أَقْسَامٍ : رَأْيٌ بَاطِلٌ بِلَا رَيْبٍ ، وَرَأْيٌ

صَحِيحٌ ، وَرَأْيٌ هُوَ مَوْضِعُ الِاشْتِبَاهِ

وَالْأَقْسَامُ الثَّلَاثَةُ قَدْ أَشَارَ إلَيْهَا السَّلَفُ ، فَاسْتَعْمَلُوا الرَّأْيَ

الصَّحِيحَ ، وَعَمِلُوا بِهِ وَأَفْتَوْا بِهِ ، وَسَوَّغُوا الْقَوْلَ بِهِ

وَذَمُّوا الْبَاطِلَ ، وَمَنَعُوا مِنْ الْعَمَلِ وَالْفُتْيَا وَالْقَضَاءِ بِهِ ،

وَأَطْلَقُوا أَلْسِنَتَهُمْ بِذَمِّهِ وَذَمِّ أَهْلِهِ

وَالْقِسْمُ الثَّالِثُ : سَوَّغُوا الْعَمَلَ وَالْفُتْيَا وَالْقَضَاءَ بِهِ عِنْدَ

الِاضْطِرَارِ إلَيْهِ حَيْثُ لَا يُوجَدُ مِنْهُ بُدٌّ ، وَلَمْ يُلْزِمُوا أَحَدًا الْعَمَلَ بِهِ

وَلَمْ يُحَرِّمُوا مُخَالَفَتَهُ

وَلَا جَعَلُوا مُخَالِفَهُ مُخَالِفًا لِلدِّينِ ، بَلْ غَايَتُهُ أَنَّهُمْ خَيَّرُوا بَيْنَ

قَبُولِهِ وَرَدِّهِ ; فَهُوَ بِمَنْزِلَةِ مَا أُبِيحَ لِلْمُضْطَرِّ مِنْ الطَّعَامِ وَالشَّرَابِ

الَّذِي يَحْرُمُ عِنْدَ عَدَمِ الضَّرُورَةِ إلَيْهِ كَمَا قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ : سَأَلَتْ

الشَّافِعِيَّ عَنْ الْقِيَاسِ ، فَقَالَ لِي

عِنْدَ الضَّرُورَةِ ، وَكَانَ اسْتِعْمَالُهُمْ لِهَذَا النَّوْعِ بِقَدْرِ الضَّرُورَةِ : لَمْ

يُفَرِّطُوا فِيهِ وَيُفَرِّعُوهُ وَيُوَلِّدُوهُ وَيُوَسِّعُوهُ كَمَا صَنَعَ

الْمُتَأَخِّرُونَ بِحَيْثُ اعْتَاضُوا بِهِ عَنْ النُّصُوصِ وَالْآثَارِ ، وَكَانَ أَسْهَلَ

عَلَيْهِمْ مِنْ حِفْظِهَا

كَمَا يُوجَدُ كَثِيرٌ مِنْ النَّاسِ يَضْبِطُ قَوَاعِدَ الْإِفْتَاءِ لِصُعُوبَةِ النَّقْلِ

عَلَيْهِ وَتَعَسُّرِ حِفْظِهِ ، فَلَمْ يَتَعَدَّوْا فِي اسْتِعْمَالِهِ قَدْرَ الضَّرُورَةِ

وَلَمْ يَبْغُوا الْعُدُولَ إلَيْهِ مَعَ تَمَكُّنِهِمْ مِنْ النُّصُوصِ وَالْآثَارِ ; كَمَا قَالَ

تَعَالَى فِي الْمُضْطَرِّ إلَى الطَّعَامِ الْمُحَرَّمِ : { فَمَنْ اُضْطُرَّ غَيْرَ

بَاغٍ وَلَا عَادٍ فَلَا إثْمَ عَلَيْهِ إنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ } فَالْبَاغِي : الَّذِي

يَبْتَغِي الْمَيْتَةَ مَعَ قُدْرَتِهِ عَلَى التَّوَصُّلِ إلَى الْمُذَكَّى ، وَالْعَادِي :

الَّذِي يَتَعَدَّى قَدْرَ الْحَاجَةِ بِأَكْلِهَا

الرَّأْيُ الْبَاطِلُ وَأَنْوَاعُهُ

فَالرَّأْيُ الْبَاطِلُ أَنْوَاعٌ : أَحَدُهَا : الرَّأْيُ الْمُخَالِفُ لِلنَّصِّ ، وَهَذَا

مِمَّا يُعْلَمُ بِالِاضْطِرَارِ مِنْ دِينِ الْإِسْلَامِ فَسَادُهُ وَبُطْلَانُهُ ، وَلَا تَحِلُّ

الْفُتْيَا بِهِ وَلَا الْقَضَاءُ ، وَإِنْ وَقَعَ فِيهِ مَنْ وَقَعَ بِنَوْعِ تَأْوِيلٍ وَتَقْلِيدٍ

النَّوْعُ الثَّانِي : هُوَ الْكَلَامُ فِي الدِّينِ بِالْخَرْصِ وَالظَّنِّ ، مَعَ

التَّفْرِيطِ وَالتَّقْصِيرِ فِي مَعْرِفَةِ النُّصُوصِ وَفَهْمِهَا وَاسْتِنْبَاطِ الْأَحْكَامِ

مِنْهَا ، فَإِنَّ مَنْ جَهِلَهَا وَقَاسَ بِرَأْيِهِ فِيمَا سُئِلَ عَنْهُ بِغَيْرِ عِلْمٍ

بَلْ لِمُجَرَّدِ قَدْرٍ جَامِعٍ بَيْنَ الشَّيْئَيْنِ أَلْحَقَ أَحَدَهُمَا بِالْآخَرِ ، أَوْ

لِمُجَرَّدِ قَدْرِ فَارِقٍ يَرَاهُ بَيْنَهُما يُفَرِّقُ بَيْنَهُمَا فِي الْحُكْمِ ، مِنْ غَيْرِ

نَظَرٍ إلَى النُّصُوصِ وَالْآثَارِ ; فَقَدْ وَقَعَ فِي الرَّأْيِ الْمَذْمُومِ الْبَاطِلِ

قَالَ ابْنُ سِيرِينَ : لَأَنْ يَمُوتَ الرَّجُلُ جَاهِلًا خَيْرٌ لَهُ مِنْ أَنْ يَقُولَ مَا لَا

يَعْلَمُ

وَقَالَ ابْنُ جُبَيْرٍ : وَيْلٌ لِمَنْ يَقُولُ لِمَا لَا يَعْلَمُ : إنِّي أَعْلَمُ

وَقَالَ ابْنُ وَهْبٍ : سَمِعْت مَالِكًا يَقُولُ : الْعَجَلَةُ فِي الْفَتْوَى نَوْعٌ مِنْ

الْجَهْلِ وَالْخَرْقِ

قَالَ : وَكَانَ يُقَالُ : التَّأَنِّي مِنْ اللَّهِ وَالْعَجَلَةُ مِنْ الشَّيْطَانِ . وَهَذَا

الْكَلَامُ قَدْ رَوَاهُ اللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي حَبِيبٍ عَنْ سَعْدِ بْنِ

سِنَانٍ عَنْ أَنَسٍ

أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : { التَّأَنِّي مِنْ اللَّهِ وَالْعَجَلَةُ

مِنْ الشَّيْطَانِ } وَإِسْنَادُهُ جَيِّدٌ

وَقَالَ ابْنُ الْمُنْكَدِرِ : الْعَالِمُ بَيْنَ اللَّهِ وَبَيْنَ خَلْقِهِ ، فَلْيَنْظُرْ كَيْفَ

يَدْخُلُ بَيْنَهُمْ

وَقَالَ ابْنُ وَهْبٍ : قَالَ لِي مَالِكٌ وَهُوَ يُنْكِرُ كَثْرَةَ الْجَوَابِ فِي الْمَسَائِلِ

يَا عَبْدَ اللَّهِ مَا عَلِمْت فَقُلْ ، وَإِيَّاكَ أَنْ تُقَلِّدَ النَّاسَ قِلَادَةَ سُوءٍ

وَكَانَ ابْنُ الْمُسَيِّبِ لَا يَكَادُ يُفْتِي إلَّا قَالَ : اللَّهُمَّ سَلِّمْنِي وَسَلِّمْ مِنِّي

وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ لِمَوْلَاهُ عِكْرِمَةَ : اذْهَبْ فَأَفْتِ النَّاسَ وَأَنَا لَك عَوْنٌ ،

فَمَنْ سَأَلَك عَمَّا يَعْنِيهِ فَأَفْتِهِ ، وَمَنْ سَأَلَك عَمَّا لَا يَعْنِيهِ فَلَا تُفْتِهِ ،

فَإِنَّك تَطْرَحُ عَنْ نَفْسِك ثُلُثَ مُؤْنَةِ النَّاسِ